نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2002
الصديق، إلا حين نعود القهقرى بضع سنين، لنجد يوسف يوصي ساقي الملك- وهو يظن أنه ناج- أن يذكره عند ربه.. إن الإيمان هو الإيمان، ولكن هذه هي الطمأنينة. الطمأنينة التي تنكسب في القلب وهو يلابس قدر الله في جريانه.. وهو يرى كيف يتحقق هذا القدر أمام عينيه فعلا.. الطمأنينة التي كان يطلبها جده إبراهيم عليه السلام، وهو يقول لربه: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى» فيسأله ربه- وربه يعلم: - «أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟» فيقول- وربه يعلم حقيقة ما يشعر وما يقول- «بلى! ولكن ليطمئن قلبي» ..
إنها هي هي الطمأنينة التي تسكبها التربية الربانية في قلوب الصفوة المختارة، بالابتلاء والمعاناة، والرؤية والمشاهدة، والمعرفة والتذوق.. ثم الثقة والسكينة..
وهذه هي الظاهرة الواضحة في كل مواقف يوسف من بعد، حتى يكون الموقف الأخير في نجائه مع ربه، منخلعا من كل شيء تهفو له النفوس في هذه الأرض: «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ. فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ» .
أما التعقيبات التي ترد في نهاية القصة، والتعقيبات العامة في السورة، فقد تحدثنا عنها إجمالا عند تقديم السورة في الجزء الثاني عشر [1] . وسوف نواجهها بالتفصيل في مواضعها من السياق إن شاء الله.. إنما أردنا فقط أن نبرز تلك الظاهرة الجديدة في الشخصية الرئيسية في القصة. ذلك أنها الظاهرة الأساسية التي تتكامل بها صورة الشخصية كما أنها هي الظاهرة الأساسية التي يحتفل بها سياق القصة وسياق السورة من الناحية الحركية التربوية للمنهج القرآني..
والآن سنواجه النصوص تفصيلا: